كالتشر عربية

عروس الإسكندرية .. ماذا يخبرنا الطب النفسي عن "الاحتياج العاطفي"؟


سيدة تبلغ من العمر 60 عامًا تحجز إحدى قاعات الأفراح وتسدد رسومها كاملة، فيظن الجميع أنها تحجز هذه القاعة لزواج أحد أقاربها -ربما ابنتها- تمر الأيام وتدخل السيدة إلى القاعة مرتدية فستانها الأبيض ولكن "مافيش عريس".

"سعاد" أو عروس الإسكندرية التي تعيش وحدها بعد وفاة شقيقها -بحسب رواية أحد جيرانها- كانت تنتظر مجيئ عريس خلال رحلة حياتها لكنه لم يأت.

بالتزامن مع كثرة الأسئلة "اتجوزتي؟" "هنفرح بكي امتى؟" "مافيش حاجة كدا؟"، ربما كانت سعاد تنتظر العريس لترد على هذه الأسئلة، غاب هو فأقامت هي حفل زفاف من دونه، وتعاطف معها أحد العاملين في قاعة الزفاف الوهمي وأدى دور العريس، بينما شارك الآخرون بحفل الزفاف لتكتمل الصورة التي صنعتها من خيالها.

عروس الإسكندرية ليست السيدة الأولى التي ارتدت فستانًا أبيضًا في غير حفل الزفاف، إذ ارتدت مجموعة من الفتيات (الشابات) الفستان الأبيض من قبل، لمجرد المزاح أو للشعور بهذه الفرحة التي ترافق ارتداء الفستان، أو احتجاجًا على جملة "هنفرح بيكي امتى؟"، تلك الجملة التي تعرفها معظم الأناث في المجتمعات الشرقية، هكذا علقت دكتور صافيناز عبدالسلام، استشارى الصحة النفسية والعلاقات.


وتؤكد الدكتور صافيناز أن الاحتياج دافع كبير وراء هذا التصرف، وأن للمجتمع وأسرتها دورًا لا يمكن إغفاله في هذه الواقعة، مشددة أن سلوك "سعاد" كان غير طبيعي وبالطبع تعاني مرض نفسي (فصام الشخصية)؛ إذ صنعت قصة من خيالها وأقامت حفل زفاف وهمي، لافتة أنها ستعاني صدمة أخرى هي وصف أسرتها لها بالجنون وإيداعها في إحدى دور الرعاية.

ساعة ونصف هي مدة الزفاف الوهمي التي عاشتها "سعاد"، جلست في "الكوشة" مع رجل لا تعرفه، شعرت بجواره بالأمان، أهداه خاتمًا استكمالًا للعبة التي بدأتها، فأخذته واحتفظت به، بل رفضت إعادته مرة أخرى، ربما كانت هذه الساعات هي الأسعد في حياة سعاد، ربما هي أظهرت ذلك حينها، أو ستكون هي الأتعس على مدار 60 مًا، خاصة بعد إيداعها في دار رعاية لسلامتها -حسب قول أسرتها- لا أحد سيعلم مادار بداخلها سواها!


دكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع، وصفت هذا الموقف بالصعب والمؤلم، أما المجتمع فاستحق منها وصف"مجرم"، مطالبة بالتوقف عن محاسبة الناس والتدخل في شؤون حياتهم أو السؤال عن أمور ليس هم أصحاب قرار فيها "الضغط على نفسية الناس سخيف".

ردود الأفعال والتعليقات تختلف بشأن هذا الحدث الشاذ عن عادات المجتمع هناك من يقرأوه بأن هذه السيدة فقط كانت تريد زوج، وآخرون سيتحدثون على تمردها، بينما سيؤكد ثالث أنه ليس "تمرد" بل "انكسار" أمام تساؤولات المجتمع "هي ماتجوزتش ليه؟"، وهي ترى أن هذا حقها ولم تفعل شيئًا غريبًا، وفي النهاية التصرف بالطبع كان غير سوي ولا يتفق مع الطبيعي الإنسانية.. هذا ما أكدته هالة.

هل هذا ما يصنعه التسلط؟

فتاة في الثلاثين من عمرها تقدم لزواجها رجال كثيرون، لكنها ترفضهم جميعًا لنفس السبب الهروب من "السلطوية"، لكن الفتاة "ن. د" لم تتخذ قرارها برفض الزواج إلا بعد حكايتها مع خطيبها الأول.

في فترة بداية الخطوبة كان يستنكر أن يطالب رجل زوجته أو خطيبته بترك عملها للتفرغ للحياة الأسرية، مؤكدًا أن المرأة يجب أن تحقق نفسها بالتوازي مع أسرتها، وأنه يجب أن يساعدها في هذا الأمر.

بمرور الوقت أصبح الزوج يسألها عن أصدقائها عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وتطور الأمر إلى التدخل "تحدثي مع هذا أو هذه واقطعي علاقتك بهؤلاء، لا تخرجي معهم، لا ترتدي هذه الثياب، شكلك أفضل بالحجاب، إيه رأيك بالنقاب"، بصيغة الأمر طبعًا جاءت طلبات "سي السيد" كلها، وطلب منها أيضًا الحصول على الأرقام السرية لحساباتها للإطلاع عليها أكثر من مرة، وأخيرًا قال "أنتي أصلًا مش محتاجة للشغل ده لما نجوز هتسيبيه طبعًا".

"كنت بحسبه بيهزر في الأول؛ لأنه كان بيتريق على الطريقة ديه في التعامل، لكن طلع بيتكلم بجد، قررت أسيبه ورفضت بعد كدا فكرة الزواج، ما ينفعش أفضل تحت سلطة حد طول عمري ويتحكم في مصيري، المشكلة مش في الجواز لأ في القيود اللي معاه، مش هتجوز إلا بشروطي".


تساؤولات عديدة تثيرها قصة الفتاة الثلاثينية؟ هل المجتمع والأسرة فقط هم من صنعوا قصة عروس الإسكندرية؟ أم أن العمر أيضًا كان عنصرًا مهمًا في هذه القصة؟ هل تظل هذه الفتاة ترفض فكرة الزواج خوفًا من الانتقال من سلطة الأب إلى سلطة الزوج في مجتمع شرقي -رغم رغبتها- طوال حياتها لتصبح حكاية جديدة؟ وهل كل فتاة ترفض الزواج ستعيش نفس قصة عروس الإسكندرية؟

توضح دكتور هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها "كل واحد عنده استعداد نفسي تختلف عن الآخر، لكن المجتمع بيضغط على المرأة بشكل أكبر بكتير من الضغط على الرجل رغم إن هو اللي بيمتلك المبادرة بالتقدم للزواج مش هي، قدام جملة "ياعيني غلبانة ما تجوزتش" فيه نساء كتير بتنهار نفسيًا وبتوافق على أي عريس، وفيه ناس بتعمل "تمرد" زي واقعة الإسكندرية اللي المجتمع وصفها بالمجنونة لأن التصرف غير متفق مع عاداته وتقاليده".

أما دكتور صافيناز استشاري الطب النفسي لا تفضل اختزال الموضوع في ممارسة السلطة فقط من قبل طرف على آخر، لأن المشكلة تكمن في التربية من الأساس، خاصة في ظل عدم وجود معايير تنظم العلاقة بين الزوجين يحترمها الجميع، بل أن معايير اختيار الزوج أو الزوجة بالشكل الصحيح بعيدًا عن الماديات ندرت بشكل كبير.

"محتاجين معايير للعلاقة الزوجية، نعيد صياغة مفهوم الزواج، ما يكونش انتهاك ولا سيطرة لشخص على آخر، عشان الناس ماتهربش منه"

سواء كانت مريضة نفسية - وهذا لا ينتقص منها شيئًا- أم تدرك بشدة ما فعلته، أو أرادت فقط الاستمتاع بتلك اللحظة التي تُتوج فيها تاج الأميرة داخل "الكوشة"، تلك اللحظة التي تسعد البشر ذكورًا وإناثًا، فالسيدة سعاد وجهت صفعة قوية باطنها "احتياج" على وجه مجتمع لا يحترم قواعد وقوانين الزواج وصفه "مجرم".
عروس الإسكندرية .. ماذا يخبرنا الطب النفسي عن "الاحتياج العاطفي"؟ عروس الإسكندرية .. ماذا يخبرنا الطب النفسي عن "الاحتياج العاطفي"؟ Reviewed by Mentor Egypt on يناير 01, 2017 Rating: 5
التعليقات
0 التعليقات

Post AD